كوفيد طويل الأمد وتبعاته النفسية

اعداد ربى المدادحة

يعد الجانب النفسي الإنساني جانباً عميقاً يستطيع الإنسان ألا يظهر جوانب كثيرة منه، وهو حساس يتأثر بكل ما حوله من أحداث وذكريات وظروف محيطة، وأي خلل في الصحة أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي يؤثر بشكل مباشر ومتفاوت عليه. وهذا ما حصل حين ضرب فيروس كورونا حياتنا، وما زلنا نعاني من ثقل ظله علينا، وخصوصاً أن الآثار النفسية لهذا الفيروس لم تقتصر على من أصيب فقط، كما هي في الأعراض الصحية، إنما طالت من أصيب ومن لم يصب بالفيروس.

يذكر أخصائي الطب النفسي والإدمان فلاح التميمي أننا نشهد حالياً العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية وأننا سنشهد المزيد منها. ويُشبّه ما حدث في العالم بأن الكوكب أغلق فجأة للإصلاح، ولطول هذا الإغلاق لم نعد نحتمل ضغوطاً إضافيةً.

ويوضح التميمي أن الآثار النفسية لفيروس كورونا تقسم لقسمين، أحدهما لمن أصيب بالفيروس، والآخر للأشخاص الذين يعانون من آثار نفسية جراء الخوف من الإصابة، ومن الإجراءات الاحترازية والقوانين المطبقة، مثل ارتداء الكمامات والتباعد والإغلاقات المستمرة، وهي كافية لتولّد بدورها مشاعر سلبية، منها القلق والتوتر، والكآبة، وخيبة الأمل، والخوف على الرزق والمستقبل، وستبقى هذه المشاعر موجودة لحين رفع هذه الإجراءات الاحترازية وعودة الحياة لطبيعتها، وقد تحتاج لسنوات ايضاً بعد عودة الحياة. 

الاضطرابات النفسية والقلق والاكتئاب

الذين أصيبوا بالفيروس معرضون لجميع أنواع القلق ؛ القلق العام والقلق الخاص والمتمثل بنوبات الفزع والرهاب، واضطراب الاكتئاب، واضطرابات الأكل مثل النهم وفقدان الشهية، والأرق واضطرابات النوم، بالإضافة الى اضطراب التعب “Chronic Syndrome Fatigue ” والمتمثل بسهولة التعب والإرهاق وآلام في مختلف الجسم، وقلة التركيز، وفق ما ذكره التميمي.

اضطرابات “نفس جسدية”

وينوه التميمي إلى أن هناك العديد من الأشخاص يعانون بعد الإصابة بكورونا من اضطرابات “نفس جسدية” وهواضطراب نفسي يظهر على شكل أعراض جسدية، وله أكثر من 72 عَرَضاً، منها الصداع، وشعور بضيق التنفس، والتنميل، والغثيان، وتهيج القولون العصبي.

اضطراب ما بعد الصدمة أو الكرب Post-Traumatic Stress Disorder

ويصاب بعض الأشخاص باضطراب ما بعد الصدمة أو الكرب، وينشأ بعد التعرض لصدمة غير اعتيادية لا يستطيع الانسان تحملها كالحروب أو ظروف صعبة، ويتسبب هذا الاضطراب الذي قد يستمر طويلاً بجعل الانسان غير قادر على الإنتاجية بصورة مؤقتة أو دائمة مع استرجاع مستمر لذاكرة سيئة مليئة بالعواطف السلبية، ويؤدي الى اضطراب في العلامات الحيوية الفيسيولوجية من نبض القلب، وضغط الدم، والتنفس، وهناك ضرورة لتشخيصه ومعالجته سريعًا لأنه قد يعطل الشخص بشكل كامل أو مؤقت، بحسب التميمي.

وقد يصاب باضطراب ما بعد الصدمة أيضاً من يتعرض للوباء الإعلامي ويتلقى معلومات مضللة وخاطئة أو يستمع لأخبار سيئة باستمرار عن حروب وقتل وأوبئة، مما يجعل الإنسان يشعر بأنه يعيش فعلاً هذه التجربة، وهذا ما حصل بالفعل للعديد من الأشخاص، جراء سوء إدارة الإعلام المحلي لملف فيروس كورونا من حيث بث معلومات متناقضة، وتهويل لبعض الأمور، وعدم وضوح الرؤية لدى الجمهور عن كل ما يحصل حولهم، بالإضافة إلى خوفهم من الإصابة والنبذ في المجتمع جراء تثبيت الوصمة Stigma”“ لمصابي كورونا، وفق ما قاله التميمي.

القلق الاجتماعي والفقد

تقول أخصائية علم النفس تالا الكرد إن التعامل مع الآثار النفسية لهذا الوباء تتفاوت بين أشخاص لديهم اضطرابات نفسية سابقة وتفاقمت مع الإصابة بالفيروس، أو أشخاص تأثروا خلال أو بعد الإصابة، أو آخرين تضرروا من تجربتهم بالتعامل مع هذا الفيروس والوقاية منه، سواءً كانت في ظروف الحجر الصحي والإغلاقات المستمرة خلال الوباء.  

وتضيف الكرد أن الحجر الصحي والإغلاقات الجزئية والكاملة أوجدت قلقاً عاماً وقلقاً اجتماعياً واكتئاباً لدى البعض، وقد لا ينتبهون لوجود هذا القلق إلا عندما يعودون للاختلاط في المجتمع والعمل، وهنا يلاحظون خسارتهم للعديد من مهاراتهم الاجتماعية للتعايش مع الآخرين بعد أن اعتادوا على طريقة حياة معينة، فأصبح هناك ” تجميد لمهاراتهم الاجتماعية”.

وتشرح الكرد أن العديد من الأشخاص ذكروا لها أنهم لا يعانون من أي قلق خلال تواجدهم بالمنزل لكن عند خروجهم ولو لفترة بسيطة لشراء احتياجاتهم يشعرون بقلق أو خوف من التقاط الفيروس؛ “وخصوصاً أننا نتعامل مع فيروس مجهول الهوية لا تتوفر معلومات علمية مؤكدة حوله، وكلها نظريات طبية غير مؤكدة”. كما تقول الكرد إن منظمة الصحة العالمية قد حذرت من ازديادٍ في الاضطرابات النفسية، مثل القلق والوسواس القهري كوسواس النظافة والتنظيف والخوف من الجراثيم.

وتضيف الكرد أن هناك خوفا من الموت جراء ما نعيشه من فقدان لأحبة وسماعنا لأخبار الموت والمرض، أو من خلال تجربة الشخص عند المرض وعدم معرفته ما ينتظره من أعراض مؤقتة أو دائمة، وهناك أيضاً ألم الفقد والحزن ليسا فقط للأشخاص وإنما لفقدان نمط الحياة كما كنا نعرفها، ولمهاراتنا وشخصياتنا، وحياتنا الاجتماعية.

الادمان والانتحار

يذكر التميمي أن الإدمان قد يزداد بشكل عام عند ازدياد شعور بعض الاشخاص باليأس من الظروف الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبطالة. كما قد تزداد نسبة المُقدِمين على الانتحار لمن يعاني منهم من أمراض نفسية سابقة كالاكتئاب او الإدمان والفصام واضطرابات المزاج، ولدى الأشخاص الذين لم تكن عندهم أعراض نفسية؛ لكنهم شعروا باليأس وانعدام الامل بالحياة.

وبحسب التقرير الاحصائي الجنائية؛ فقد ارتفعت نسبة حالات الانتحار في الأردن خلال 2020 لتكون الأعلى منذ عشر سنوات.

العنف الزوجي والمشاكل الزوجية

ينوه التميمي إلى أنه لأسباب كثيرة منها بقاء الموظفين بالمنزل، وبقاء أطفالهم أيضاً، وضغوطات الدراسة عن بعد، ووجودهم في ظروف جديدة لم يعتادوا عليها ضمن إجراءات إجبارية واغلاقات مستمرة، بالإضافة الى الخوف على الرزق والتي تكون أكثر عند الذكور لشعورهم بالمسؤولية من أجل تأمين احتياجات المنزل، زادت الخلافات الاسرية التي قد تؤدي للعنف أيضاً.

الأطفال

يؤكد التميمي أن الأطفال أيضاًمعرضون لمشاكل نفسية منها فرط الحركة، وقلة التركيز، والقلق والاكتئاب، ومشاكل النوم، وقد يتأثرون مثل الكبار من البقاء في المنزل وعدم القدرة على الخروج واللعب والتواصل مع زملائهم، وأصبحوا يصنعون عالماً افتراضياً virtual” ” من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، مما أدى لحدوث خلل لدى الكثير منهم في تكوين علاقات اجتماعية حقيقية.

كما أن العودة للنظام والدراسة سيخلق الكثير من المشاكل لدى الطلاب والمعلمين، من ناحية اندماج الأطفال واليافعين من جديد مع النظام والانضباط وتكوين العلاقات، ومن ناحية تأهيل المعلمين من خلال دورات ارشادية لاحتواء السلوكيات والمشاعر والأفكار كافة عند الطلاب، بحسب التميمي.

 كما يشدد التميمي على أهمية إعطاء الدعم والإرشاد النفسي لمن لديه مشاكل خاصة؛ إذ يجب التدخل الفوري والفعال عند وجود أي مشكلة لدى الأطفال واليافعين حتى لا يؤثر على تكوين شخصياتهم في المستقبل، ولمساعدتهم في زيادة مرونتهم وصلابتهم النفسية (resilience and hardness) في تعاملهم مع ضغوط الحياة وتكيفهم معها.

كما تذكر الكرد أن هناك قلقاً اجتماعياً قد يصيب الأطفال لعدم معرفتهم بكيفية التواصل والتعامل مع أقرانهم، وخوفهم من البعد والانفصال عن أهلهم، وخصوصاً عندما يجدون أن الكبار لا يعرفون كيف يتعاملون مع مخاوفهم من الوباء ويتخبطون، بالإضافة الى خوف الأطفال على صحتهم وصحة أهلهم ويخشون فقدانهم ويخافون من المجهول، كما أن هناك أطفالاً بعمر الثلاث والأربع سنوات لم يعرفوا بالحياة إلا العزلة والبقاء مع الأهل في المنزل.

التوصيات

وتنوه الكرد إلى أن هناك الكثير من العيادات في الأردن التي تقدم خدمات لمرحلة ما بعد الإصابة بكورونا من تحاليل وفحوصات، لكن لا توجد عيادات تغطي الجانب النفسي وتوفر التوعية والدعم خلال هذا الوباء.

كما يؤكد التميمي على وجوب وضع خطة وطنية للصحة النفسية والعقلية، إذ إن الأردن من الدول السباقة في النواحي الطبية كافة، وأولى اهتماماً كبيراً للجانبين الصحي والوقائي، لكن لم يتم الانتباه للطب النفسي، ومراعاة “الارتدادات العكسية لهذا الوباء” على الجانب النفسي.

أضف تعليق